تأثير القرآن الكريم والسنة النبوية على الشعر العربي

منذ فجر الإسلام، كان للقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة تأثير بالغ في تشكيل ملامح الثقافة العربية، لا سيما في الشعر. فقد انطلق الشعر العربي، بعد نزول الوحي، بروحٍ جديدة، وأصبح أداة للتعبير عن القيم الإسلامية، بعد أن كان وسيلة للفخر والهجاء والغزل الصريح.
القرآن، ببيانه المعجز، علّم العرب البلاغة الحقة، ورفع مستوى الذائقة اللغوية، وجعل الشعراء يعيدون النظر في أساليبهم، فظهر نوع جديد من الشعر: شعر يخدم الدين، ويمدح النبي، ويدافع عن العقيدة.

القرآن لم يكن شعرًا، لكنه فاق الشعر بلاغةً وفصاحة، فكان له أثر تربوي وبلاغي على الشعراء:

• اللغة: أصبح الشعراء يستقون من ألفاظ القرآن ومعانيه، ويُحاكون إيقاعه وسجعه.

• الموضوعات: تحوّل الشعر من التغني بالخمر والنساء إلى الحديث عن الآخرة، والعدل، والزهد، والحكمة.

• الصور الفنية: تأثرت الصور الشعرية بالمجازات القرآنية، فأصبح الوصف أعمق، والمعنى أكثر رسوخًا.

مثال: قال أحد الشعراء الإسلاميين:

قد كنتَ في ظلمةٍ من أمرِ دينِك إذْ

جاءَ النبيُّ وفي القرآنِ تبيانُ

السنة النبوية وتأثيرها الأخلاقي والديني

السنة النبوية بدورها رسمت للشعر حدوده الأخلاقية، ووجهته توجيهًا إيجابيًا. فالنبي محمد صلى الله عليه وسلم لم يُحرم الشعر، بل قال:

“إن من الشعر لحكمة” (رواه البخاري).

وقد ظهر شعراء في صدر الإسلام مدحوا النبي، ودافعوا عن الدين، ومن أبرزهم:

كعب بن زهير

أسلم بعد أن أنشد قصيدته المشهورة البُردة أمام النبي صلى الله عليه وسلم، فقال فيها:

بانت سعادُ فقلبي اليومَ متبولُ

متيمٌ إثرها لم يُفْدَ مكبولُ

فأعجب بها النبي، وألقى عليه بردته الشريفة، فكان ذلك تكريمًا للشعر الملتزم.

نماذج من تأثير القرآن والسنة في شعر كبار الشعراء

1. حسان بن ثابت (شاعر الرسول)

لقّبه النبي بـ”شاعر الإسلام”، وكان لسان الدفاع عن الدعوة. استخدم ألفاظًا قرآنية، ومعاني إيمانية:

هجوتَ محمدًا فأجبتُ عنهُ

وعند الله في ذاك الجزاءُ

2. المتنبي

رغم أنه عاش بعد عهد النبوة، إلا أن تأثير القرآن واضح في شعره، من خلال المفردات القرآنية ومفاهيم القضاء والقدر:

إذا أنت أكرمت الكريمَ ملكتَهُ

وإن أنت أكرمتَ اللئيمَ تمرّدا

لقد غيّر الإسلام مضمون الشعر العربي، وأعاد توجيه بوصلته نحو القيم الرفيعة. فتأثر الشعراء بالقرآن والسنة في الأسلوب والمضمون، وظهر جيل جديد من الشعراء الذين جمعوا بين الجمال اللغوي، والسمو الروحي.

فكان الشعر الإسلامي صوتًا للحق، ومرآةً لقيم السماء، يخلّد الكلمة النبيلة، ويزرع الحكمة في النفوس